ولست أبالي أن يقال محمد ............................................... أبلّ أو اكتظت عليه المآتم
ولكن ديناً قد أردت صلاحه ........................................... تحاول أن تقضي عليه العمائم
الأمام محمد عبده
*********************************************************************
أزمة اختفاء الكراسي في مصر
أقام فاروق حسني الدنيا في مصر ولم يقعدها. فاروق حسني الذي يعتز النظام السياسي كثيرا لوجوده ضمن صفوفه ويرفع ورقته لكل من يدعون على الوطن بأنه ضد حرية المثليين جنسيا، يعود إلى الصفوف الأولى مرة أخرى بتصريحه لجريدة المصري اليوم عن رأيه في المرأة بأنها مثل الوردة التي يغطيها حجاب وأن الأخير يعتبر تخلفا لأنه كان عادة في الماضي ونحن نستعيدها الأن، مشيرا في الوقت نفسه أنه ليس فرض وليس من أركان الإسلام، ومعللا بأنه إذا كان شعر المرأة فتنة، فشعر الرجل ووجهه وصدرة فتنة أيضا
الغريب في الأمر أن حسني - الوزير وليس الرئيس - قد أقام الدنيا على موضوع أستهلك في الحديث أكثر مما أستهلك في الممارسة، ولم يقعد الدنيا على موضوع لا يمت بصله بقضايا تشوه الدين أو تسيء لرب العالمين ولرسوله الكريم أو تدعو للفجور والفحشاء أو تؤيد الغرب في اتهام الإسلام بأنه مصدر العنف والإرهاب في العالم، فالموضوع يذكرني برواية كانت على الأرصفة لعدة سنوات، وما أن قرأها شاب أزهري يافع حتى اكتشف الكارثة الكبرى بأن الرواية تحتوي على عبارات تسب الإسلام، وتسب رب الإسلام، وتسب رسول الإسلام، وكانت الأزمة الأولى لاختفاء الكراسي في مصر. ورغم ذلك فإن أزمة اختفاء الكراسي قد عادت من جديد، ولكنها هذه المرة تبدو أقوى وأشد، فالدنيا كلها قد قامت ولكن يبدو أنها لن تجلس أبدا، حتى بدا لي الأمر كله كأنه إعصار شديد هب فجأة على المحروسة بسبب مروحة توشيبا العربي
المواطن المصري المتدين
ورغم أن اللافت للنظر دائما مع هذه النوعية من الأزمات هو تشنج الناس لها كمن حلت عليهم مصيبة، وانفعالهم عليها كمن فقد الآباء والأبناء معا، حتى تعتقد بافتراض أنك سائح أجنبي قادم من بلاد السند أن ما حدث من تظاهر المسلمين وغضبهم الشديد في شوارع مصر هو بسبب أن فاروق – الوزير وليس الملك – قد قام بسب الدين وحرق المصحف والتظاهر عاريا من أجل الحصول على حقوقه المثلية، إلا أن أهم ما يلفت النظر في هذه الأزمة بالذات هو انتشار الأحكام المنطقية على الشعب المصري الغلبان، والتي بدورها تنقسم إلى فئتين من الأحكام. فتذهب الفئة الأولى إلى أن الشعب المصري هو شعب متدين بطبعه وطابعه منذ فجر التاريخ وأنه لا يجوز لمثل هذه القلة القليلة بنت الكلب الكافرة أن تعكر عليه صفاء إيمانه العميق وهو في يغني العنب العنب أو أن تخرجه من حالة الحدس الصوفي وهو يلتهم ساندوتش الفول وقطعة المخلل. أما الفئة الثانية فتربط تاريخ انتشار الحجاب في مصر بتاريخ السينما حيث أن سعاد حسني وميرفت أمين ونجلاء فتحي لم يظهرن قط بغطاء على شعورهن، ويطنب أصحاب هذه الفئة أن أمهاتنا لم يكن يرتدين حجابا ولا ايشاربا أيام الجامعة وجداتنا لم يكن يرتدين سوى الميني جيب والشرابات الدانتيل، ولكنهن رغم ذلك قد قاموا بإنجابنا وتربيتنا حتى صرنا رجالا بشوارب كثة و لاشغلة لنا سوى أن ننتقد أخواتنا ممن يغطين شعورهن ووجوههن رغم أنه يكفيهن تغطية مؤخراتهن وصدورهن
لست أعلم تحديدا لماذا تقول كتائب الحكماء في بلادنا هذا الكلام، ولماذا يردده الكثير ورائهم دون وعي أو بصر أو بصيرة، ألا يرى أصحاب الفئة الأولى جيوش الملحدين والشيوعيين والعلمانيين في كل مكان، ألا يستفزهم وجود المتطرفين والمسيحيين والبهائيين واليهود يبثون سمومهم في حروب نفسية تكفر الآخر وتلعب على أوتار المؤامرة والإرث التاريخي للمحروسة، ألم يسمعوا قط عن من يسمون أنفسهم مسلمون ولكن في خانة الديانة، وفي خانة الإخوان، وفي خانة تكفير المجتمع، وفي خانة الحزب الوطني، وفي خانة الموالسين، وفي خانة المنافقين ، وفي خانة القصر الجمهوري، كلهم يغيثون في الأرض فسادا، وكلهم يقضون على الأخضر واليابس، يدعون المسلم للتنصر، ويرغمون القبطي على الإسلام، ويقنعون المؤمن بالإلحاد، في الوقت الذي نسى فيه أصحاب الفئة الثانية أن الحجاب والنقاب كانا موجودين دائما في مصر، وأن قاسم أمين وهدى شعراوي قد كرسا حياتهما لمكافحة هذه العادة التقليدية بدعوى أن الحجاب والنقاب غريبين على الإسلام. ألم يشعروا بالمحجبات والمنقبات يمشون جنبا إلى جنب مع أمهاتنا السافرات، وبجوار جداتنا بالميني جيب، كانت هناك جدات ملتزمات، ووجه الشبه بين هؤلاء كلهن، أنهن قد قمن بتربيتنا وتعليمنا حتى جاء وقتنا لنحاسبهن، نحاسب المحجبات من أمهاتنا لأنهن كن رجعيات متخلفات عن قيم قاسم أمين وهدى شعراوي وسعد زغلول، ونحاسب غير المحجبات من أمهاتنا لأنهن لم يسمعن كلام حسن البنا ومحمد بن عبد الوهاب
الحجاب قبل الحساب
وبغض النظر عن مدى فرضية الحجاب على نساء المسلمين من مدى ضرورته كقيمة أخلاقية مضافة إلى مدى النظر إليه على أنه بدعة دخيلة على الإسلام وعادة غريبة على الدين، إلا أن أهم ما نلمسه الآن من خلال استقراء وتحليل الخطاب الديني الرسمي وغير الرسمي، المعتدل والمتطرف، التجديدي والسلفي، أن الحجاب قد بات ركنا سادسا من أركان الإسلام، وأن الإسلام قد تحول من دين يدعو لقيام منظومة أخلاقية أساسها العدل والمساواة والسلام بين أفرادها، إلى دين يركز بالأساس على المظاهر الخارجية للمسلم والمسلمة في فرضية الحجاب والنقاب وترك اللحية وتربيتها ودخول الحمام باليمين، وكأنه في ذلك قد انتهى من كل ما أثير من خلاف بين فقهاؤه وعلمائه ومفسري نصوصه في القرآن والسنة
إن المعركة التي تدور رحاها الآن بين العلمانيين والمتدينين على كل الساحات حول قضية تغطية المرأة لشعرها، قد انتقلت الآن إلى معركة بين العلمانيين أنفسهم وبين المتدينين أنفسهم، مما أدى إلى اتساع شقة الخلاف بين الجميع وإلى شيوع التفسيرات الجاهزة التي تدعي الصحة لفريقها مطالبة الجميع بالالتزام بظاهر النصوص التي أنزلها الله دون مجرد السعي وراء تفسيرات أكثر مرونة تتواءم مع قيم العصر الجديدة، وشيوع الردود التكفيرية على كل من يدعي غير ما يؤولون من نصوص. ففريق العلمانيين انقسموا حول إن كان الحجاب مجرد فضيلة أخلاقية للمرأة أو أنه غريب تماما عن الدين وليس فضيلة على الإطلاق، رغم أنهم متفقون في النهاية على أنه أبدا لم ولن يكن يوما فرضا على المسلمات، بينما الأمر عند فرق المتدينين قد أفضي إلى حرب ضروس حول قضية الإلزام في تغطية المرأة لوجها لما فيه من فتنة للرجال، رغم أنهم متفقون من البداية على فرضية تغطية المرأة لرأسها
لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي
إن قفل باب الاجتهاد إنما يعني أن تمحيص الأدلة المتعلقة برأي معين لا يجوز أن يتم إلا مرة واحدة، وتظل النتيجة بعد ذلك قائمة إلى أبد الآبدين، وهو الأمر الذي يعني بالتالي قمع حرية الشك في هذا الرأي أو ذاك، وهي حرية أساسية بالنسبة لتقدم آية حضارة أو رخاء آية مجموعة من البني آدميين. فلو كان تمحيص الأدلة السابقة التي أخذ بها قد تم على أكمل وجه كما يدعي القائلين بقفل باب الاجتهاد، بحيث لم تعد ثمة جدوى للعودة إليها، لكان بالإمكان أن نجابه بكل أمانة وثقة كل ما يثور من شكوك حول صحة الرأي، وأن نقنع الناس دون عناء أو شقاء، أما صعوبة أو استحالة الرد على التساؤلات والشكوك والآراء المخالفة والاجتهادات الجديدة، فلا تعني غير أن تمحيص الأسلاف للرأي قبل إغلاق باب الاجتهاد لم يكن كافيا، ولا كانت أدلتهم قاطعة، وبالتالي فليس ثمة مبرر لقفل باب الاجتهاد أبدا، وخاصة لو كان باب الاجتهاد قد أغلق في موضوع لا يزال شائكا في قضية مثل حجاب المرأة
وفي الحقيقة، فإن الدراسات التاريخية المحايدة تشير إلى أن الحجاب ليس أمر خاص بالإسلام كما تشيعه القنوات الدينية والتقليدية، حيث كان معتمدا عند نساء اليونان والرومان يضعنه على رؤوسهن عند الخروج إلى الشوارع، وعرفته كذلك بلاد ما بين الرافدين وبيزنطيا وفارس، حيث كانت المرأة الحرة تجبر على تغطية رأسها تمييزا لها عن الجارية، كما أن بعض النصوص المقدسة في التوراة والإنجيل تحتوي على فقرات تحض على تغطية المرأة لشعرها. وقد ضل الخمار مستعملا في الغرب إلى حدود القرن التاسع عشر، وبحكم تطور تقاليد الزينة فقد تم تخفيفه حتى أصبح شفافا رقيقا للوقاية من التراب والبرد. أما في الثقافة العربية الإسلامية فيتنوع الحجاب في الشكل واللون وطريقة الاستعمال حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية، حيث نلاحظ أن نساء الريف لا يتحجبن عند قيامهن بالأعمال الزراعية وأنه في بعض الحالات يتحجب الرجال وتكشف النساء عن وجوههن وهو ما نلاحظه عند قبائل الطوارق المسلمة في مناطق الجنوب من ليبيا والجزائر
ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين
أما بالنسبة للتشريع الإسلامي فللحجاب علاقة وطيدة بالتمييز الطبقي، فقد كان رجال العرب يتعممون ونساؤهم يتخمرن، حيث كانت المرأة قبل الإسلام تسدل خمارها على كتفيها وتكون حرة في ترك صدرها وبعض من ظهرها مكشوفين، مع الوجه طبعا. كما كانت النساء يتتزين بالحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ وغيره ويظهرنه للأعين. ويبدو أن المرأة قد حافظت على هذا الزى حتى السنوات المبكرة من الهجرة إلى المدينة، حيث يتفق المفسرون على أن أمر الحجاب في سورتي النور والأحزاب جاء بعد حوادث تعرضت فيها النساء الحرائر لمضايقات الشباب في شوارع المدينة المنورة، وكان هؤلاء يلاحقون الجواري، لكن عدم اختلافهن في الزي عرض الحرائر للتحرش الجنسي، فاشتكت الحرائر إلى رسول الله، حتى جاءت الآية تأمرهن بحجاب إضافي يميزهن عن الإماء، وهو ما صرحت به الآية الكريمة " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" الأحزاب 59. حيث كانت وسيلة القرآن في ذلك هي إدناء الجلابيب
هذه الإجراءات الدقيقة، أي إدلاء الخمار على الجيوب، قد مكنت السلطة الناشئة من حصر الكتلة البشرية المختلطة والمتلاحمة التي تتقد حيوية ورغبة في شوارع المدينة المقدسة ومن تجزيئها إلي مجموعات متمايزة جواري وحرائر، نساء ورجال، يسهل مراقبتها والسيطرة عليها وتقنين سلوكياتها. وفي نفس هذا السياق تخبرنا مصادر التفسير، وهي في هذا السياق كتاب حجاب المرأة ولباسها في الصلاة للعلامة ابن تيمية، أن عمر بن الخطاب قد منع الجواري من التحجب، حيث كان رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت أو أدنت جلبابها عليها، ضربها بدرته الشهيرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها، محافظة على زي الحرائر (تفسير القرطبي 2795)، وهو الأمر الذي كرره الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي أمر أن لا ترتدي الجواري الخمار حتى لا يتشبهن بالحرائر، ويشكل هذا النهي مفارقة غريبة لا أجد لها تفسيرا، إذ كيف يمكن أن يتجرأ خليفة المسلمين وأمير المؤمنين من منع فريضة إسلامية على مسلمة مهما كانت منزلتها الطبقية
من وراء حجاب
وقد وردت أيضا آية الحجاب أيضا بمعنى الساتر أو الحاجز وذلك في سورة الأحزاب التي تأمر بوضع حجاب بين زوجات النبي والمؤمنين. فقد قال تعالى "يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين أخاه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلك يؤذى النبي فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لكم لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إنّ ذلك كان عند الله عظيما" الأحزاب 53. وقيل في أسباب نزول الحكم أن عمر ابن الخطاب قال للنبي: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر، فلو أمرتهنّ أن يتحجبّن. (تفسير القرطبي 259، كشاف الزمخشري 1006، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 38). فنزلت الآية الكريمة
وقد قيل أيضا أنه من أسباب نزول الآية السابقة أنه في ليلة زواج الرسول بزينب بنت جحش قد مكث نفر من المدعوين في بيت النبي إلى ساعات متأخرة من الليل حتى ضجر العروسان، فنزلت الآية. وفي رواية أخرى عن ابن زيد قال: فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، فدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عيينة فأين الاستئذان؟ فقال: يا رسول الله، ما استأذنت على رجل من مضى منذ أدركت. قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عائشة أم المؤمنين، قال: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق. فقال صلى الله عليه وسلم: يا عيينة، إن الله قد حرم ذلك. قال فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله، من هذا؟ قال: أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه. (تفسير القرطبي 2782). فنزلت الآية بمنع نكاح زوجات الرسول بعد موته
ومما يؤكد من ناحية أخرى خصوصية حكم التحجب هو أن فرض الحجاب لا يمتد إلى ملك اليمين من الجواري ولا إلى باقي المؤمنات والدليل على ذلك رواية أنس ابن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام بين خبير والمدينة ثلاثة أيام ليتزوج بصفية بنت حيي، قال المؤمنون إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإلا فهي مما ملكت يمينه، فلما أرتحل مهد لها خلفه ومد الحجاب أي وضع لها سترا بينها وبين الناس، وبذلك فهم المؤمنون أن صفية هي زوجة الرسول وليست مجرد جارية عنده
ونلاحظ من كل ما سبق أن آيات الحجاب نزلت لنساء النبي فقط وفي ظروف معينة، وإذا كان القرآن قد أخبرنا بأن الرسول أسوة للمؤمنين "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"، فإنه لم ترد آية واحدة تشير إلى أن نساء النبي أسوة للمؤمنات، بل لقد وضع القرآن ما يفيد التمييز بين زوجات النبي وسائر المسلمات كما جاء في الآية "يا نساء النبيّ لستنّ كأحد من النساء إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمعُ الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفاً * وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجن تبرجَ الجاهليةِ الاُولى وأقمنَ الصلاة وآتينَ الزكاة وأطعنَ الله ورسوله" الأحزاب 32-33، أي أن الأحكام التي تتقرر لزوجات النبي تكون خاصة بهن وليست لباقي المؤمنات، هذا إضافة إلى أنه لا يوجد في القرآن الكريم حدا واحدا أو عقوبة واحدة للمرأة غير المتحجبة، بل وردت قواعد في الحشمة والوقار ونهي عن إظهار مفاتن الجسد لا غير، وهو الأمر الذي يبدو في هذا السياق أن حكم الحجاب في صلب المنظومة الإسلامية لا يزال مسألة خلافية بحتة، وقد كان الفقهاء يحددون مسألة ما بأنها خلافية عندما كانوا يعتبرون أن الخلاف فيها جائز وأن الاجتهاد فيها واجب وان هذا الاختلاف لا يورث تبديعا ولا تكفيرا
خلاصة الكلام
في واقع الأمر، فإن الأديان والشرائع – سماوية كانت أو وضعية - دائما ما تظهر في سياقات ثقافية واجتماعية وتاريخية، لتحرر الإنسان وتفك الحصار المفروض عليه من قبل السحرة والمشعوذين، ولكن يبدو أن البعض من هؤلاء المشعوذين والسحرة قد انتقلوا إلى الدين والسياسة، يسعون دائما لإبقاء الإنسان أسير شعائر وطقوس دينية لم ينزل الله بها من سلطان، وعقائد جامدة يصفونها بأنها الحقيقة المطلقة، والتي يعد الاقتراب منها بالنقد أو التحليل أو الاعتراض هو الكفر والإلحاد بعينه. وقد دفع الكثير من المفكرين والعلماء عبر التاريخ حياتهم ثمناً للنهج الديني المتطرف والفكر الظلامي الذي ينظر إلى المجتمعات البشرية بصفة عامة وإلى الإنسان بصفة خاصة من خلف نظارة سميكة أو من وراء حجاب حقيقي والذي هو حاجز وهمي أقاموه ليفصلوا بين الله وعباده، وليجعلوا لأنفسهم الحق الحصري في تفسير النصوص حسب ما يتماشى مع مصالحهم، وحسب ما تشتهيه أنفسهم
والكثير منا – وأنا منهم - لا يزال يقع في حيرة لا حدود لها عندما يقع صدفة في تفسير حق الرجل في أن يشتري جارية وينكحها في نفس اليوم والساعة دون انتظار مأذون أو شهود أو فرح في قاعة عسكرية كبيرة، في الوقت الذي لا يسمح فيه بنكاح امرأة حرة إلا بشروط أطنب فيها الفقهاء، وكأن الجارية مخلوقة من طين، والحرة مخلوقة من نور
يقول الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن القرآن لا ينطق ولكن يتكلم به الرجال، ومن ثم علينا أن نعي دائما وأبدا أن هذه النصوص والشروح والتأويلات هي بالفعل تعيش بيننا وتؤثر في مجتمعاتنا، فهناك نساء ورجال يؤمنون بها ويستعينون بها في حياتهم، ويستخدمونها في أحيان كثيرة في صراعاتهم. من هنا يجب أن لا يغيب عنا قدرة مجتمعاتنا الذكورية، برجالها ونسائها، على الاستعانة بتأويلات محددة لبعض النصوص الدينية التي تخص المرأة من أجل إدامة السيطرة الذكورية وتدعيمها بمسوغات تتخفى تحت رداء القداسة وكتاب الله. وكم من الفتيات المسلمات خضعن في النهاية، وبمعزل عن فهمهن للنصوص الدينية، للحالة السياسية السائدة ولقيود البيئة الاجتماعية ولنظرة المجتمع للفتاة السافرة وضغوط الأب والأم والأخ وما يسمونه شرف العائلة، وتحجبن وهن مكرهات أو وهن غير مدركات
يكفي من أجل أن ندرك تأثير المجتمع على حجاب المرأة ومكانتها أن نتمعن في تاريخنا المعاصر وأن نبحث كيف كان التوجه السائد منذ بداية القرن العشرين وحتى نهاية الستينات نحو تحرر المرأة ونزعها للحجاب من دون خروجها على دائرة الدين، وتعلمها ومشاركتها في الحياة العامة، وكيف بتنا اليوم في ظل فشل ما يسمى بمشروع النهضة العربية وما صاحبه من سلسلة الهزائم المتتالية وسيطرة قيم البترول والدولار وغياب الحريات والقيم الديمقراطية والانحدار الاجتماعي والقحط الثقافي، نشاهد بأم أعيننا عودة الحجاب، وحتى النقاب، تارة تحت شعار الإسلام السياسي وطورا تحت شعار حفظ كرامة المرأة وصون عفتها وشرفها
لقد بات حجاب المرأة في علاقته بالنص القرآني والمنظومة الفقهية الموروثة والممارسات المجتمعية، يتجاوز موضوع المرأة ليحال إلى قضايا إشكالية مرتبطة بالتأويلات الدينية السائدة، سواء لجهة دلالات الكلمات داخل بنية النص أو لجهة السياق الزمني والمكاني لنزول هذه الآيات وحالة اللغة في ذلك العصر، أو لجهة الدلالات المستجدة للكلمات والنصوص في الاستخدامات الدينية المعاصرة. فإذا كانت كلمات من مثل القوامة وملك اليمين والتسري بالإماء والضرب عند النشوز خرجت في جزء منها من مجال الدلالة الحية المباشرة إلى مجال الشاهد التاريخي، والبعض الآخر لا يزال ينتظر دوره، فمن الأجدر أن نسارع في إعادة النظر في المعاني والدلالات والسياقات لكلمات من مثل الحجاب والخمار والجلباب ضمن زمانها ومكانها المحددين قبل أن نسقطها عنوة على عصرنا الراهن. لكن من أجل أن يحدث هذا لا بد من إعادة النظر في المنظومة الفقهية السائدة وفي علاقتنا بالنص القرآني، والذي دونه صراعات سياسية واجتماعية هائلة، وان كان لا مناص من خوضها في النهاية
اسعد بأن اكون اول من يرد على هذه المقاله الجميله
واوافقك في في كل ما كتبت الا مسأله فرضية الحجاب من عدمه فهذا يعتبر راي خاص بك وبكل من يقتنع به لكن لا يصح ابدا الدعوه به فمن حقك انت ان تجتهد ولكن لنفسك اما الدعوه بما اجتهدت به فلها رجالها
وانا لا احجر على رأيك او راي اي شخص ولكن عندما يعارض رايك راي علماء الدين _ وانت لست منهم ولا انا_فامامك خياران اما ان تتبعم فان اصابوا اصبت وان اخطئوا تحملوا وزر من اتبعهم
او لا تتبعهم ولكن لا تجاهرهم المعارضه
فالمسأله اخطر من مجرد راي عادي في السياسه او الأقتصاد فلن يضيرك او من اتبعك اي شيء ولكن المسأله المتعلقه بالدين لها رجالهاويجب التعامل معها بحذر لأن هناك جنه و نار
وشكرا