Thursday, February 16, 2006
السلام 98: مسئولية نظام

قبل أن أبدأ الكلام، أتذكر ثلاث حوادث. الأولى عندما وقعت الكارثة الانسانية في الولايات المتحدة بعد اعصار كاترينا ولم نجد الشعب الأمريكي يقول أنها جاءت قضاءا وقدرا، وإنما وجهوا أصابع الاتهام إلى شخص الرئيس بوش باعتباره المسئول الأول عن أنه قد قصر في أداء مهامه في حماية أرواحهم والحفاظ على أمنهم

والحادثة الثانية هي استقالة وزير الداخلية اللبناني بعدما أضرم متظاهرون غاضبون النار في مبنى يضم القنصلية الدنماركية في بيروت احتجاجا على نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد، وقد استقال هذا الوزير عقب الانتقادات التي وجهت له بأنه لم يقم باستعمال القوة لتفريق المتظاهرين لأن مثل ذلك القرار يمكن ان يؤدي الى مذبحة

وأما الحادثة الثالثة فهي أن الرئيس مبارك قدم اعتذاره لجورج جالاوي عضو مجلس العموم البريطاني الذي احتجز لأكثر من ثمانية عشر ساعة في مطار القاهرة حتى لا يشارك في المحاكمة الرمزية بنقابة المحامين ضد بوش وبلير وشارون والتي رأس جلستها رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد

مسئولية من

استيقظنا صباح الجمعة على خبر مؤلم ومروع من العيار الثقيل، وكنا ساعتها في الطريق إلى استاد القاهرة لنشجع المنتخب المصري ضد نظيره الكونجولي للبحث عن شيء يسعدنا – وهو أمر نادر في بلادنا - فإذا بنا نصدم ونفجع وكأن القدر كعادته يقول لنا على الطريقة المصرية: جات الحزينة تفرح، ما لقيتلهاش مطرح

فى لحظات قليلة كان خبر الكارثة المروعة حديث كل بيت مصرى، وهي العبارة التي كان يستقلها حوالى 1415 راكبا بينهم 1298 مصريا، كانوا عائدين من ميناء ضبا السعودى فى طريقهم إلى ميناء سفاجا، حيث كانت كل الأخبار تشير إلى وقوع كارثة إنسانية بكل المقاييس والمعايير، ولعل أكثر ما يدهشني في كارثة العبارة المصرية الغارقة هو أمور ثلاثة

أولها: خروج المنافقين مهللين للرئيس مبارك عندما اصدر قراراه بالتحقيق الفوري في ملابسات حدوث الكارثة وضرورة تقديم من تثبت إدانتهم إلى المحاكمة لينالوا عقابهم، رغم أن شخص الرئيس هو المتهم الأول في هذه القضية طبقا للدستور باعتباره المسئول أمام شعبه في حمايتهم والحفاظ على أمنهم. وليس موقف الشعب الأمريكي ضد رئيسهم على كارثة طبيعية مائة في المائة بالبعيد علينا، فما بالنا بكارثة تفوح منها روائح المؤامرة والبيزنيس ورجالات السلطة

لقد اعتذر مبارك لجالاوي، وكان بمقدوره أن يعتذر لأهالي الضحايا ولكنه فضل هو ورجاله الذهاب إلى الغردقة يستعرضون أمام كاميرات التليفزيون في تهنئة الناجين، ومتناسيين أصحاب المشكلة الحقيقيين في سفاجا محجوزون بين مطرقة الأمن وسندان المخابرات، وكأن من ذهب إلى الغردقة له النعيم ومن مكث في سفاجا ليعرف مصير أخيه أو أمه أو أبيه فله الجحيم

ثانيا: لاتزال وزارة الداخلية مستمرة في استخدام الغباء في التعامل مع أي أزمة، ويبدو أن حكماءهم من زبانية الدولة لا يدركون الفرق بين أزمة ذات طابع "اجرامي" وأخرى ذات طابع "إنساني". والفرق بين موقف الداخلية في بلدنا وبلد مثل لبنان، هو نفسه الفرق بين موقف الوزارتين في التعامل مع الأزمات. في لبنان لم يتعاملوا مع المتظاهرين بمنطق القوة، لأن من يتظاهر هم بني آدميون وليسوا كلابا

ولكن في مصر فإن الأمر يختلف تماما، فعلى طريقة عملية السودان بالمهندسين، دخلت قوات الأمن المآتم لتعزي أسر الضحايا بالضرب، وتجفف دموعهم بقنابل مسيلة للدموع، وتربت على أكتافهم بهراوات غليظة، وتشاركهم الأحزان في أقسام البوليس والمعتقلات

ثالثا: حالة اللامبالاة التى سادت بعض المسئولين وعدم الاستجابة لاستفسارات الأهالى أو احترام مشاعر الحزن والأسى، مما دفع الأهالى للغضب والتظاهر، فوزير النقل يتلقى البلاغ بالحادث بعد تسع ساعات من وقوعه، وذلك حسب ما نشرته جريدة الأخبار بأن أول بلاغ تلقاه الوزير كان في الثانية عشر ظهرا، ثم تأكيد أحد أعضاء مجلس الشعب – وهو مالك لأحد شركات الملاحة – بأن هيئة التفتيش البحرى لا تقوم بالتفتيش على السفن على مستوى الجمهورية، وأن إجراءات الهيئة هي مجرد اجراءات روتينية للتصريح بالسفر، فالمعنى واضح وصريح، حيث المهم أن يكون الورق صحيحا والإجراءات سليمة والدمغة موجودة وشهادة الاثنين موظفين حاضرة وختم النسر محفورا، وليس مهما بعد ذلك ما يحدث، فالمهم الورق وليس أرواح البشر

ولقد استفزني كثيرا ما أثير بأن العمر الافتراضي للعبارات ليس هو المشكلة، وأنا لا أفهم ذلك الأمر من خلال خبرتي المحدودة بأن الثلاجة لها عمر افتراضي والكيتشن ماشين له عمر افتراضي والصاروخ له عمر افتراضي حتى المسئولين ورؤساء الدول لهم أيضا عمر افتراضي، فكيف لا يكون للعبارة أوالأتوبيس النهري عمر افتراضي، خاصة اذا عرفنا أن التقرير الصادر عن شركة لويدز ريجستر المتخصصة فى الملاحة البحرية يعتبر العبارة المنكوبة – السلام 98 - فى خريف عمرها ولا تستوفى معايير السلامة المطبقة فى الاتحاد الأوروبى بل وأنها ممنوعة من الملاحة فى المياه الأوروبية. لكن الأغرب والأخطر والأعجب فى تقرير الشركة أن العبارة يتجاوز عمرها الستة وثلاثون عاما، وأن القانون المصرى يقضى بألا يتجاوز عمر هذا النوع من السفن عن خمس وعشرين عاما فقط، فمن يراقب من؟ ... ومن يحاسب من؟

أخيرا: لقد هالني منظر القتلى وهم طافيون على سطح البحر، وهالني أكثر مشهد نقل الجثث من على العربة للمشرحة وكأنهم أبقار أو عجول، وهو الأمر الذي أكده كاتب بالأهرام في حديث تلفزيوني بأن النظام لم يعد يكتفى يقمع الناس وسجنهم وحرمانهم من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل هو يحرمهم أيضا من حقهم في القبر الذي سيدفنون فيه ليترحم عليهم زويهم وأقاربهم، فأصبحت قبورهم في بطون أسماك القرش، وأصبح مصير جثثهم الحرق في قطار، وأصبح الموقف بما فيه من دروس وعبر وحزن ودموع مجرد ذكرى من سطرين في صفحة في كتاب طويل للتاريخ عنوانه مسئولية نظام

 
posted by المواطن المصري العبيط at 4:22 PM | Permalink |


7 Comments: