Monday, December 26, 2005
الأقباط : المسكوت عنهم أم ... ؟

كثرت في الفترة الأخيرة الكتابات والحوارات التي كانت المخاوف من انحسار وضع الأقباط في مصرموضوعا لها ، كما تعددت الندوات وتنافست في تناول الموضوع وتأجيجه ، وكأن الوهم صار حقيقة ، وكأن الإخوان سوف يتسلمون السلطة غدا، وكأن أوضاع مصر السياسية والاجتماعية سوف تنقلب رأسا على عقب بين عشية وضحاها

وقد أخذت هذه المخاوف من قبل كبار المثقفين الأقباط منحنى خطيرا وخصوصا بعد الصعود الملحوظ لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحصولهم على عدد وافر من مقاعد البرلمان ، وبدأ بعضهم الحديث عن ما أسموه بأصحاب القمصان السوداء محذرين بأن ذلك قد يتحول إلى ميليشيات عسكرية إخوانية تجر الوطن إلى مستقبل مظلم

وقد فجر هذه المخاوف المؤرخ القبطي البارز الدكتور يونان لبيب رزق ، وكان قد سبقه المفكر القبطي المعروف الدكتور ميلاد حنا الذي تنبأ بما يمكن أن تصل إليه أحوال أقباط مصر في حالة وصول الإخوان إلي الحكم ، قائلا إن أغنياءهم سيهاجرون وأن من سيبقى منهم سيجبرون على تغيير دينهم

ففي حين أن للأقباط الآن كنيسة قوية باتت قادرة على تحدي الدولة والإملاء عليها ، ولهم جناح يمثل قوة ضغط في الخارج ، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية ، وهذه لها صوتها في المحافل الدولية وفي الكونجرس الأميركي ، لا يزال بعض رموزهم في مصر يتحدثون عن دور بدا في الانحسار ودور إسلامي متشدد يلوح في الأفق مبشرا بدولة اسلامية ونذيرا بالقسوة والاضطهاد للأقباط ومن تبعهم

المفارقة المثيرة في هذا المشهد أن ذلك الجدل يثور في حين أن مختلف الأدلة والقرائن تشير إلى أن الأقباط هم الأكثر استقرارا وتمكينا ودعما ، وأن المخاوف الحقيقية يعاني منها المسلمون ونشطاؤهم في المقدمة منهم ، الأمر الذي يدفعني إلى الزعم بأن مخاوف الأقباط ليست سوى شائعة يروج لها البعض ويسوقونها لتحقيق أهداف ومكاسب معينة ، أما مخاوف المسلمين فهي حقيقة ثابتة

والشاهد على ذلك أن هناك نوع من المساومات التي حدثت ولا تزال تحدث بين النظام الحاكم والكنيسة ، ففي حين أسلمت سيدتان قبطيتان قبل حين ثارت ثورة البابا شنودة ، واعتكف في أحد الأديرة وأصر على تسليم السيدتين إلى قساوسة الكنيسة وضرب لذلك مواعيد محددة التزمت بها الدولة، فجرى تسليمهما، حيث أودعت صاغرتين مكانا مجهولا لا سلطان للدولة عليه، ولم يجرؤ أحد على السؤال عن مصيرهما. ناهيك عن اهتمام الرئيس مبارك الشخصي بقضية الفتاتين القبطيتين اللتين هربتا مع رجلين مسلمين ومطالبته بشكل شخصي بالبحث عن (المخطوفتين) القبطيتين والقبض على (الخاطفين) المسلمين

وفي المقابل ، فهناك اكثر من عشرة آلاف شاب مسلم معتقل بمقتضى قانون الطوارئ، لم يجدوا بين قيادات المؤسسة الدينية الرسمية صوتا يطالب على الأقل بإطلاق الأبرياء منهم ، وحين وقعت واقعة مسرحية الإسكندرية الشهيرة التي مثلت إهانة بالغة للإسلام والقرآن ، طالب المسلمون باعتذار البابا لإنقاذ الموقف والحيلولة دون انفجار المشاعر الغاضبة إلا إنه آثر السكوت واعتصم بالصمت إلى أن جرى ما جرى
في الوقت ذاته تحول أقباط المهجر إلى قوة عالية الصوت باتت تملأ الدنيا ضجيجا وهي تتحدث عن مظلومية الأقباط في مصر ولأن هناك أطرافا عدة ليست فوق مستوى الشبهة ، لها مصلحة في الضغط على حكومة مصر ولي ذراعها ، فإن تلك الأطراف وضعت يدها في يد عناصر من أقباط المهجر ، وتحالف الاثنان في مناسبات ومواقف عدة ، كان لها صداها في الكونجرس الأميركي ولجانه الفرعية ، ومؤخرا دعي شاب من هؤلاء إلى مصر ، وعومل في المطار باعتباره من كبار الزوار، والتقى عددا من كبار المسؤولين في الدولة ، وهو ترحيب لا يحلم به أحد من القيادات الإسلامية ، الذين منع أحدهم من السفر لحضور مؤتمر في بيروت ، وسط أجواء الحفاوة بصاحبنا القادم من واشنطن

بل وأكثر من ذلك عندما قامت وزارة الداخلية بمنع سفر مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين إلى السعودية لأداء فريضة الحج إلا في وجود تصريح سفر ، بل ومنع كل أعضاء الاخوان وغيرهم من نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين للسفر إلا بتصريح من وزارة الداخلية وهو بالطبع أمر ليس له آية مبررات في هذه الظروف التي تنادي بها القاهرة للتحول نحو الديمقراطية

وربما تكون المكافأة الكبرى تلك التي حصلت عليها الكنيسة عقب انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالقرار الرئاسي الذي يخول ويفوض بموجبه للمحافظين سلطة انشاء وبناء الكنائس دون الرجوع له – أي للرئيس ، وهو الأمر الذي تفوح منه رائحة قذرة بأن النظام لا ينسى من وقف بجانبه في منحه وبخاصة تلك الأخيرة في البرلمان والتي اهتزت صورته فيها كثيرا ، لولا وقوف الأقباط بجانبه وإعطائهم أصواتهم إلى مرشحي الحزب الوطني ، وكأنهم بذلك يعلنون تحالفا وهميا ضد إرادة الشعب في اختيار مرشحيه

إن جل ما أريد قوله في النهاية ، هو أن هذا القرار الأخير هو حق أصيل للأقباط ، لطالما بح صوتنا في المطالبة به ، ولكن الأمر ينطوي على مكافأة من نوع خاص اجلت حتى حصاد ثمار التحول السياسي في الفترة الأخيرة ، ولكن على الجانب الآخر إذا فتحنا ملف المخاوف فسنجد أن حظوظ المسلمين منها اكبر بكثير من غيرهم وانه إذا كانت هناك مشكلات للأقباط في مصر فهي مع السلطة والدولة وليست مع المسلمين ، وأن صعود الإخوان أو تراجع مقاعدهم في البرلمان لن يقدم أو يؤخر كثيرا رغم أن للمجتمع مصلحة حقيقية في أن تتوفر له معارضة قوية تحد من تغول وتحكم الحزب الوطني الحاكم منذ ربع قرن

إن مشكلة الداخل في مصر ليست في صعود الإخوان ، ولا في اضطهاد الأقباط ، ولا من يفوز ومن يخسر ، وإنما المشكلة في غياب المشروع الوطني الديمقراطي الذي يحتوي الجميع ويرتقي بمشاعرهم بحيث ينشغلون بالنهوض بالمجتمع وليس بالتقوقع داخل الطائفة أو الجماعة أيا كانت

 
posted by المواطن المصري العبيط at 3:39 PM | Permalink |


2 Comments:


  • At Monday, December 26, 2005 4:41:00 PM, Blogger Marcel

    Are you using Picasa to get your pictures up on your blog ?
    It didn't work for me

     
  • At Saturday, December 31, 2005 7:54:00 AM, Blogger R

    أشعر أنّك تضع المسيحيين المصريين في كفة والأخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين النشطين في كفّة أخرى.
    وقد لاحظتُ هذه الموازنة في الكثير من الصحف المصرية كذلك، لكنّ معناها خطير، وهو أنّ القوى الدينية في مصر هي أقلية مسيحية (المسماة الأقباط أو الكنيسة)، وأقلية إسلامية أو مسلمة، وأغلبية ...؟؟؟ هل بقيّة الشعب غير مسلمين؟

    وهل معنى أنّ هناك مسلمين في المعتقلات (لقمع الحركات الإسلاميّة السياسيّة) أنّ بقيّة المصريين غير مسلمين؟ وهل معنى ندرة المسيحيين في المعتقلات السياسيّة أنّ النظام يضطهد "المسلمين" أم أنّ المسيحيين لا ينخرطون في الجماعات السياسيّة (إلا الشيوعيين منهم)، وأنّ النظام يخشى كلّ من تبدو عليه أعراض المطالبة بدولة دينيّة؟

    الأمر الآخر هو أنّ قرار مبارك الأخير، رغم مظهره المبهج، هو قرار "تفويض" سلطة، وليس تغيير قانون. بل على العكس، سيصير هناك ستة وعشرون مكيالاً للبت في بناء الكنائس وإصلاحها (بعدد المحافظين) بدلاً من مكيال واحد هو مكيال المؤسسة الرئاسيّة.
    ـ