Friday, February 24, 2006
كنت محقا يا هتشكوك

ترجع عقدة الخوف عندي منذ أن كنت صغيرا، فكانت امي دائما تهددني بأنها ستجلب لي الكلب ليعض مؤخرتي إذا لم اذاكر دروسي جيدا
ولقد ابتكر الأباء في كل عصر وزمان العديد من الحيل لتخويف ابناؤهم كنوع من العقاب وذلك على حسب محددات العصر، فمن غير المنطقي أن تأتي أمي لتقول لي اذا لم تشرب اللبن فانني سأجلب لك الديناصور أو أمنا الغول أو العفريت أبو رجل خروف أو الحداية التي تطير، ومن ثم كان الكلب أكثر قبولا لي، في حين يكون الديناصور أكثر منطقية لجدي ولأبي
وفي الحقيقة، فإن أمي قد مست وترا حساسا لي - دون أن تقصد - في استخدامها أداة الكلب لتخيفني بها، حيث رأيت أمام ناظري وانا طفل أبله كلب أسود كبير يقفز بشراسة على أحد الأطفال ويعضه حتى سال الدم من احدى أرجله، مخلفا وراءه ذكرى لن تنسى، وكوابيس لا تنضب، وعقدة لن تحل
كنت مولعا منذ الصغر بقراءة قصص الرعب، وقد أثارتني كثيرا رواية لشخص يدعى ألفريد هتشكوك – لم أكن أعرفه قبل ذلك اليوم طبعا – وتسمى الطيور، ثم تجسدت لي واقعا عندما رأيتها في التلفاز. ورغم انني لم أكن أدعى وقتها الفلسفة والفزلكة والرؤية التحليلية العميقة، إلا انني كنت أسخر من هذا الهيتشكوك على عبطه وقصته – ثم فيلمه – الذي لم يخف طفل عبقري مثلي، كان من المفروض له أن يرتعد خوفا وهلعا عند رؤيته لطيور مسالمة تلتهم الأخضر واليابس وتقتل الرجال وتحرق البيوت وتدمر السيارات. وقتها خرجت برؤية فلسفية – لم أقصدها بالطبع – مفادها: الكلب هو الذي يخيفني لأنني أؤمن بذلك
والواقع أن الخوف هو مرآة لمجتمعاتنا في هذا العصر، والتي أمست لا تؤمن إلا بما تراه العين، فيكون من الطبيعي أن يخاف الانسان وهو واقف وحده وسط المقابر بعد منتصف الليل من قدوم سفاح قاتل، وليس من عفريت له عشرون ذراع وسبعة عيون وسبعون عضو تناسل منتصبة في وجهه
وتمر السنون، وتخف معها عقدة الخوف من الكلب "الأسود" بينما تبدو معها الوقت ذاته عقد جديدة لمخاوف من أشياء لم تكن موجودة، وهي بالتأكيد لم تكن لتخيفني أبدا، أو تزعج أبي الذي كان يخاف من امنا الغولة، أو حتى ترهب جدي الذي كان يرتعد من مجرد ذكر الديناصور الذي يخبؤه له أبوه في القبو
تمر السنون، وتتغير معها مفردات الخوف عندي، وتصبح أدوات رعبي في حرامي يقتحم بيتي وهو مسلح بمطواة ويفاجأ بي أمامه، أو في قاتل مختل يريد أن يسلخ جلدي ليفصل منه قميصا له، أو في شاب لا يعرف القيادة وأكون أنا أول من يخطو أمام سيارته، أو في مغامرة حمقاء تنتهي بزواجي من فتاة حلمها أن تقطع جسد زوجها في أكياس بلاستيكية
تمر السنون، وإذا بمفهوم الخوف يتطور عندي من مجرد أكلة سمك ملوث بمواد مشعة، وبقرة مصابة بالجنون، وفواكه وخضراوات تسبب السرطان، وماء بنكهة المجاري، بل والأكثر من عصفورة تتبرز على ملابسي
إن التطور المذهل في شتى مناحي الحياة، أصبح يلازمه بشكل حتمي تطور رهيب في مفهوم الخوف، ذلك الأخير الذي تخطى كل حدود أفلام الرعب التي كنا نسخر منها، وكل حدود قصص التشويق التي كنا نضحك عليها، بل وتخطى أيضا فكرة احتمالية وجود لص يحمل مطواة في بيتي، أو في محاولة استنزال جني قد لا يرغب في الحضور أصلا، أو في كلب عابر في الشارع لا أعرف مدى استعداده النفسي لمهاجمتي، وإنما غدى الخوف الآن في عصفور الكناري الأليف في بيتي، وفي وجبة دجاج مشوي على الغذاء، وفي كوب صغير من الماء، بل من مجرد العبور تحت شجرة أعرف أن فوقها هؤلاء المرعبون ذوي الجوانح
لقد كنت أهزا يوما من الأيام على تفاهة هتشكوك وأسخر من قصته وأضحك عليها بدلا من الخوف منها، في الوقت الذي كنت أخاف فيه الكلاب. والآن أنا أخاف من طيوره ولم تعد الكلاب تخيفني عندما تنبح في وجهي بقدر خوفي من دجاجة تتجشأ بالقرب مني أو أو من نعامة تطير فوق رأسي أو حتى من بطريق يتجول خارج منزلي
اعتقد انه قد حان الوقت لابتكار مفردات جديدة للخوف، تلائم هذا الزمان وتقنع أبناءنا بالخوف منها، وتكون بعيدة عن الخرافات التي لم يعد يقتنع بها الرضع. مفردات مثل دكر بط وسيم مصاب بالأنفلونزا، وتفاحة محترمة مرشوشة بالمبيدات المسرطنة، وكوب كوكتيل المياه بالمجاري اللذيذة، أو حتى لو لجأنا إلى الأساطير المنطقية فإن وقعها على الأطفال سيكون له مفعول السحر مثل طائر الرخ والديناصورات المجنحة

posted by المواطن المصري العبيط at 5:25 AM

|
Permalink |
-
جامد قوى البلوج ده
دى اول زيارة ليا
اعتقد مش هتبقى الاخيرة
-
صحيح هو أكيد كان وجهة نظر هتشكوك في ان احنا نخاف من حاجات موجودة حوالينا و دايما بنشوفها و فجأة بتقلب علينا
أكيد لو كان عايش ف مصر كان هيلاقي مواضيع كتير يعملها فيلم :)
-
الأخ محرر هذه المدونة المحترم
تحية طيبة
إسمح لي بأن اعبر لك عن إعجابي بما تكتب . نحن أيها الصديق ندير موقعا ثقافيا تنويريا ويسرنا أن ندعوك الى زيارته أو حتى المساهمة فيه بقلمك المبدع. عنوان موقعنا هو:
www.kashf.info
ويمكنك الكتابة الينا على هذا الإيميل:
info@kashf.info
أهلا وسهلا بك.
سمير طاهر
عن أسرة تحرير "كشف"
-
أظن أن الخوف ليس مجرد شعور ولكنه حاجة نحن نحتاج أن نخاف ... حتي ان الخوف متجسد في كل نواحي حياتنا الخوف من الاله الخوف من النار من الحاكم ومن الاشياء التي ذكرتها
ولكن تطوير مفهوم الخوف فكرة جميلة جا وعلي فكرة بقي البوست دا جامد جدا بس انا يراودني تساؤل اذا كنت اسقطت معيير الخوف المجرد من حياتك ( من ابو رجل مسلوخة وامنا الغولة ) ما الذي بقي مترسبا فيك من مخاوف الماضي ؟؟
-
mr.bibooooo
متشكر ويا ريت دايما اتشرف بزيارتك
mindonna
لو كان هيتشكوك في مصر كان كتب اكبر قصة رعب في التاريخ: مبارك والعائلة
السيد سمير طاهر من مجلة كشف:
هذا شرف كبير لي ويسرني كثيرا أن أن أشارك بقلمي في مجلتكم المتميزة
ahmed hassan:
المترسب في حياتي من مخاوف الماضي هي خوفي المستمر من فكرة المستقبل
-
-
-
لا تتوقف عن تدوين أفكارك أبدا ولا تتوقف عن مراجعتها بين وقت وآخر. هذه الفكرة لا بد أنها أخذت منك وقتا في التأمل والإستدعاء والصياغة وهذا جدير بالاستحسان ثم أضف الي ذلك أنها خرجت من رحم رأسك بهذا الشكل المنظم فهذا جدير بالتصفيق له. والفكرة أيضا لمست وترا عندي وهو شعوري بالخوف يوميا من الموت فجأة بسبب عربة طائشة أو رصاصة أو انفجار أنبوبة أو سرطان ... وأحمد الله أنه يعطيني القدرة علي التماسك والتفكير بتفاؤلية وبتذكر سورة "قريش" وفيها "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" وأذكر أن المفكر زكي نجيب محمود قال أن هذان عنصران لا يمكن أن تقوم حضارة بدونهما فلا يمكن للخائف أن يبدع ويخلق وينتج
شكرا علي مدونتك الأخيرة
-
رائعة .. انت بجد لا زم تشوفلك حل علشان تسوق للبلوج العظيم بتاعك ده
ربنا يكرمك ويوفقك ويقدرك على كتابة المزيد
-
الاخ المواطن المصرى العبقرى هل ممكن ان تكتب عن خطبة جما مبارك لواحدة من طلبة الجامعة الامريكية وعن الابعاد ةراء تلك الخطبة ولماذا مثلا لم يخطب طالبة من جامعة القاهرة اهذا اعتراف منه بالتعاون مع امريكا والتحالف معها والتزاوج من خريجيها ام انه نوع من انواع التعالى على الشعب خريج الكليات العادية وتعالى على الطبقة المتوسطة التى كان ابوه يوما من الايام واحدا منها قبل ما ربنا يكرمه. عزيزى المواطن اود ان احيط سيادتكم علما بان هذا موضوع مهم جدا لاننا نتكلم عن سيدة مصر الاولى القادمة ونتلكم عن رئيس الجمهورية القادم لذا ان تعيروه اهتمام سعادتكم.
من اختكم
-
مش بالضرورة يا أخ سيكو أن يكون خريجي الجامعة الأمريكية موالين لسياسات أمريكا بل انه من المعقول جدا أن تجد أحدهم يكره أمريكا حتي النخاع ، وهناك من تربوا في أمريكا ورضعوا لبنها وشربوا ماءها وأكلوا هامبورجرها ولهم توجهات يسارية محترمة مثل ادوارد سعيد وتشومسكي الخ
-
انتوا خدتوا الموضوع جد انا باهزر طبعا وانا شخصيا ليا اصحاب درسوا فى الجامعة الامريكية وطبعا مش موالين لامريكا. على العموم ديه كانت مداعبة للمواطن المصرى العبيط لان انا باحب روح السخرية اللى عنده موت.
وانا مش اخ انا اخت:))
-
آسف يا أخت سيكو بس انا قلت أخ من وحي اسمك الحركي (سيكو) فليس علي البلوجر حرج
وأنا أحب روح الدعابة والسخرية أيضا
-
آدم المصري
يا باشا انت اللي حد مش عادي وانا عارف اني مقصر معاك بس ان شاء الله يدوم الود وتدوم الصداقة
مختار
اشكرك على كلماتك الرقيقة لشخصي المتواضع، بس انا بأختلف معاك في ان الابداع أحيانا يكون في ذروته عندما يكون الشخص خائفا والنماذج الكثيرة لمبدعين في السجون تشهد على ذلك
الأخ سيكو سابقا والأخت سيكو حاليا
انا مش عارف انت مين بس تقريبا انا عرفتك، وعلى كل حال انا متشكر على ثقتك في، بس موضوع جمال مبارك ده انا شايف اننا ما نعطيهوش اكبر من حجمه وان كنت بافكر في موضوع عنه بس مش بالشكل اللي انت فاكراه
تحياتي لك واتمنى ان ارى تعليقاتك دائما
egptian from canada said
انانفسي اشوفلك بلوج علشان اقفشك عليه وما تعرفشي تفلت مني .. وشكرا لك على اهتمام الدائم
-
أيوه يا مواطن أنا معك أن هناك من يبدعون تحت وطأة السجن والأمثلة كثيرة لكني كنت أقصد الابداع الحضاري متمثلا في احداث عمران علي الأرض - عمران اقتصادي وزراعي وليس الابداع الأدبي. فأعتقد أن الخائف لا يمكن أن يقيم حضارة ويزرع ويحصد، كما في العراق الآن مثلا. شكرا لك يا مواطن
-
ولا يهمك تقصر معايا ويدوم الود
احسن ما تطول معايا
وابقي مش طايلك
-
-
احب اشوفك عندي في البلوج قبل يوم التلات لان فيه موضوع مهم
-
انت ليه مش بتكب بانتظام انا كل يوم ادخل علشان اقرالك بس مش بالاقيك كتبت موضوع جديد بجد انا احب قوى لو كتبت بانتظام وخصوصا ان فيه مواضيع كتيرة تستاهل مثلا ايه رايك فى الحوار اللى بيطالب بيه عمرو خالد او موضوع البورصة الاخير او
-
أوعدكم اتي هأكتب والله بس أنا مشغول قوي اليومين دول
الموضوع الجديد هيكون مفاجأة في محتواه
أشوفكم على خير
-
love your assays
you are talented.
-
write more more more and more i cant ask.you are egyptian .egypt needs you.
-
Looking for information and found it at this great site... » » »
-
جامد قوى البلوج ده
دى اول زيارة ليا
اعتقد مش هتبقى الاخيرة