Monday, April 24, 2006
متى نحترم أنفسنا ؟



نتفاخر دائما بأن بلادنا هي نتاج حضارة سبعة آلاف سنة، رغم أنه لم يكن لنا أبدا دور في صنع هذه الحضارة سوى أن نحتضن أهراماتها ومعابدها ونحرص على التقاط الصور التذكارية مع تماثيلها ونقوشها. وندعي دائما بأن بلادنا هي أم الدنيا كلها، ولا نعرف أن الدنيا كلها قد ضاجعت أمها آلاف من المرات ونهشت جسدها مئات الآلاف من الفتن والمصائب والكوارث. ونقول ونكرر، ثم نعود ونقول فنكرر بأننا بلد الأمن والأمان وأرض المودة والتسامح كتعويذة لم تعد سحرية نستخدمها من أجل حفنة عملات أجنبية لا تلبث أن تحول في حسابات حماة الأمن والأمان ورعاة المودة والتسامح في بنوك سويسرا

والسؤال هنا، هل نحن حقا نستحق لعنة الفراعنة ذات السبعمائة قرن وهي التي أمست مثل بطاقة هوية نشهرها للغرب المتقدم الذي لا حضارة له ولا تاريخ يفتخر به أمام العالم ؟ وهل وصمة العار الذي ألحقها بنا هيرودوت ومن لحقوه من أغبياء بأن بلدنا هي هبة النيل وهي أم بلاد الدنيا لا تزال تلتصق بنا ؟ وهل هناك من لا يزال يصدق أعجوبة الأمن والأمان والمودة والتسامح التي نتميز بها دون بلاد العالم ؟ والاجابة على كل ما سبق هو لا

نحن حضارة تحقد على كل تعتبرهم من محدثي النعمة في حضارات سبقتها على سلم التقدم رغم أن أجدادهم ليسوا فراعنة، ولا قيمة لهم بدون أهرامات ومسلات، حتى ولو ذهبوا واستوطنوا القمر والمريخ

ونحن أم الدنيا التي ماتت فترحم عليها أصحاب الديانات التي مروا بها، ثم دفنت حتى شبعت موتا، ثم تحللت فأكلتها الديدان، حتى بات عزاؤها الوحيد في جنة أبدية بقرار لا يعلمه سوى خالقها الذي أبدع في صنعها، وجلى عظمته في حضارة لا تزال شامخة حتى الآن، وأظهر من رحمته الكثير على شعب فقير معدم حكمه - ولايزال - اناس سولت لهم أنفسهم باستعارة أسمه عز وجل واختلاس جزء من جبروته وقوته

والمهم في كل ذلك أننا لسنا بلد الأمن والأمان كما نصدق، كما أننا لسنا شعب ودود ومتسامح ويفتح أحضانه على طريقة الاعلان: مصر .. البيت بيتك. ومثلما نجحنا في التسويق لحضارة نحن لسنا جزء من صناعها سوى احتضاننا لها، فنحن لدينا أيضا من يتقن لعبة التسويق لشعب ودود ومتسامح. ورغم أن النسيج المجتمعي في بلادنا ليس معقدا كما هو في العراق أو لبنان أو السودان، إلا أن نظرية الشائبة السوداء في كوب اللبن – لو اعتبرنا التعصب شائبة ومصر هي كوب اللبن – تكون أخطر وأعمق بكثير من كوب لبن وقع فيه – لا أعرف كيف – مسحوق شيكولاتة، فالأخير مهما حاولت اخفاء الأسود فيه فلن تفلح، وأما الأول فانك عندما تحاول ازالة الشائبة السوداء فسوف يتعكر اللبن حتى يمسي معكرا بالأسود فتفوح منه رائحة المؤامرة

والحقيقة أن الشائبة السوداء ما هي إلا مجرد كراهية مغلفة بابتسامات صفراء توزع على الناس بشكل أبله، وتعصب رهيب يبدو من تحت حواجب معقودة وعيون مشمئزة ووجوه محمرة من الغضب. حتى الشائبة السوداء لم تعد سوداء، وإنما باتت ذهبية بلون آيه الكرسي والصلبان التي تزين صدور الفتيات، أو أصبحت في زبيبة في جبهة الرأس وصورة لكاهن غير معروف. وتعدت الشائبة كل ذلك وارتبطت بالحواس الآدمية كلها، فأمست في صوت المؤذن بالمسجد الذي يكاد يخلع حنجرته من مكانها لايقاظ جاره المسيحي، أو في دقات مرعبة لجرس عملاق في برج كنيسة توقظ النائمين في قبورهم

لقد تشكلت الشائبة في شكل لص يفتخر بسرقته لبيت مسيحي، أو في رجل ملتحي يخرج إلى العالم بنصر غير مسبوق في أنه نجح في أسلمة فتاة مسيحية، أو في شاب يعتبر جارته المسيحية ممن تجوز له جماعها لأنها تعامل معاملة سبية حرب. كما أضحت في صورة قسيس يعلن بأنه قد حان الوقت لأن يرفع الأقباط رؤوسهم من الرمال، وشاب يريد أن يستعيد أرضه التي اغتصبها المسلمين من أجداده منذ ألف وأربعمائة سنة، أو في امراة تطلب من ابنها ألا يخاطب أو يتعامل مع أصدقاءه المسلمين في المدرسة

لقد باتت بلادنا التي نفتخر بها مثل غابة، والفرق هنا أن للغابة ملك يحميها، أما في مصر فقد انشغل ملكها بتأمين الملك لنفسه ولابنه، وأصبح أمنه الشخصي هو وعائلته أهم من كل المتطفلين في أبعاديته الخاصة، وترك التبريرات الواهية لزبانيته الذي لم يكذبوا خبرا وأعادوا علينا نظرية المختل عقليا على طريقة أبو العربي وبني مزار، حتى يتأكد لهم السيطرة على الموقف والقبض على القاتل

ثم يعطي الملك الضوء الأخضر لجهازه الجوبلزي – نسبة إلى جوبلز – الحرية في كتابة سيناريوهات الحادث من خلال شهادات أصحاب المختل الذين سوف يأكدون خلل جهازه العصبي منذ ولادته وسوف يقسمون على جنون عقله، ولا بأس من تصميم الصور على الفوتوشوب يصافح فيها شيخ الأزهر البابا على أن تكون الخلفية لكنيسة وجامع لزوم الوحدة الوطنية. ولا ينسوا في النهاية التأكيد على أن الحادث لا يمثل إلا فئة قليلة مأجورة – بنت ستين كلب - تستهدف أمن وأمان مصر، وتحاول المساس بسمعة شعبها الودود المتسامح

أسمحوا لي أن أقول، إن احنا شعب متعصب بتقدير امتياز. شعب متعصب في الكورة ويكاد جمهور الناديين الكبيرين يقطعون بعض البعض سواء كانوا يلعبون معا أم لا، حتى لو كان أحدهم يلعب في تل أبيب، هيشجعوا تل أبيب. شعب متعصب ضد المرأة ورجالته متغاظين أنهم ممكن في يوم من الأيام تولى عليهم إمرأة، أو ان واحدة منهم ممكن تبقى مديرة أو وزيرة أو قاضية. شعب متعصب ضد الغني وبيحقدوا عليه وبيتمنوا زوال النعمة من ايده وايد اللي خلفوه رغم انه لو سعى هيلاقي اللي هو عايزه. شعب متعصب ضد الغرب، الأمريكي كافر وابن كلب، والأوروبي منغمس في الملذات والمحرمات، والياباني بيعبد بوذا، والايراني شيعي مش مسلم، والخليجي معاه فلوس ولسه بيلبس شبشب وكلسون، واليهودي بخيل ومعفن واسرائيلي وصهيوني ومغتصب للحقوق، والأفريقي أسود وريحته وحشة، والهندي بيسجد للبقرة، احنا بس اللي صح وأي حد غيرنا يبقى غلط، احنا اصحاب الحضارات وغيرنا تايواني تقليد، واحنا بس اللي هندخل الجنة وكل الدنيا هتترمي في جهنم

بعد كل ما قيل، هل هناك من يدعي بأننا شعب ودود ومتسامح ؟؟ أنا أفضل أن نخرس عن الكلام فذلك أفضل لنا حتى نحترم أنفسنا ونحترم تاريخنا الذي لا يد لنا فيه



 
posted by المواطن المصري العبيط at 7:17 AM | Permalink | 37 comments