Tuesday, March 28, 2006
الطريق إلى العرش

على طريقة مرشحي مجلس الشعب في دعايتهم عندما يلتقون الغلابة والمعدمين في المناطق شديدة الفقر ووضع جوز جنيهات في جيوبهم الخالية من أجل أن يسبحوا بحمدهم ويدعون لهم دعوات لا ترد من السماء، قام جمال مبارك بافتتاح أحد المشاريع الوهمية لتحسين ما يسمونه مستوي المعيشة بمنطقة العجوزة القديمة، وهو الأمر الذي أعتبره بداية التدشين الرسمي لحملة ولي العهد الشعبية في الطريق – الذي أمسى غير طويل – نحو عرش مصر

وقد لفت نظري الاهتمام المبالغ فيه من جريدة الأهرام - شبه الرسمية - بفرد صفحة كاملة لجمال ورفاقه من الوزراء والمحافظين وهم يصافحون الحفاه والعرايا والمعدمين ويتحدثون بلسان الوعود في جلب الخدمات للمنطقة من كهرباء ومياه نظيفة ومستوى صحي وتعليمي أفضل، حيث بات أسلوب البسطاء والسعي نحو تقديم الخدمات لهم – والتي لا تتكلف أكثر من حفنة دولارات من جيوب أصغر رجل أعمال من أصدقاء نجل الرئيس – قد بات هو الأسلوب الأمثل في الحملات الانتخابية وشراء الأصوات الانتخابية في مقابل كرتونة مياة معدنية أو باكو شيكولاتة للأطفال

وقد تأكد لي الموضوع عندما فوجئت بأن جمال ضيف أحد البرامج بالقناة الأولي وعلى الهواء مباشرة يوم أمس – أي في نفس اليوم الذي نشرت به الأهرام صفحتها عنه – وهو يؤكد ويزيد من التأكيد على أنه لا توجد لديه "النية" ولا "الرغبة" في الترشح للرئاسة، وهو الأمر الذي زاد الشك عندي في أن ما يحدث الآن هو تلميع ولي العهد أمام الرأي العام خاصة عندما يتظاهر بالصراحة والجرأة ويحاول ايهامنا بأنه يمتلك المصداقية والشفافية والموضوعية وطموح الشباب، خاصة عندما سألته المذيعة أنه لو لم يكن ابن الرئيس فهل كان من الممكن أن يبقي بهذه السرعة أميناً للسياسات وأميناً عاماً مساعداً للحزب الوطني، وكانت اجابته انه بشكل كبير لن يمكن ذلك

في الحقيقة، فإنه يبدو أن حكماء الرئيس ومستشاريه قد أرادوا أن يخرجوا من مأزق التوريث على الطريقة السورية وذلك عن طريق الاقتراع المباشر - المزور طبعا - في صناديق الانتخاب، وهو المعمول به في كل بلاد الدنيا – النزيهة طبعا - والذي نادينا به وسنظل ننادي به حتى نراه واقعا ملموسا. وقد بدأ هذا الأسلوب عندما وجدت مؤسسة الرئاسة أنه بوصول مبارك الأب عن طريق اختيار الشعب له فإنما هو بذلك يكتسب شرعية جديدة تحل محل شرعية الطيار الذي قضى على جيوش إسرائيل وحده في أكتوبر 73، وتحل محل شرعية ثورة يوليو البلهاء التي لاتزال تجد أصوات تردد بها حتى اللحظة، وقد كانت هذه الشرعية "الجديدة" هي الديمقراطية، حتى لو كانت إسما فقط لا واقعا، أو لو كانت شكلا فقط لا موضوعا

وقد بدأ صعود سيناريو التوريث وزادت التكهنات حول إعداد جمال لعرش مصر عندما تولى رئاسة لجنة السياسات منذ أربع سنوات، وهي التي تقوم بصياغة التغييرات التي تتم في الحزب، ومن ثم الحكومة التي تنتمي إلى الحزب، الأمر الذي جعل مبارك الأب ينفي في كل أحاديثه الصحفية مسألة توريث السلطة في مصر، مؤكدا أنه وإن كان ذلك قد حدث في دولة "معينة" - يقصد سوريا بالطبع - فإنه لن يحدث مطلقا في مصر

ورغم ذلك، نجد أحمد باشا نظيف بشحمه ودمه ولحمه وعقله المحدود يرفض عندما سألته البي بي سي استبعاد ان يصبح جمال مبارك رئيسا مستقبليا للبلاد، مؤكدا أن جمال يستحق ان ينظر اليه على انه مرشح موهوب بدلا من مجرد اعتباره نجلا للرئيس، بل ويؤكد أن صلة جمال بوالده تعد "عقبة" في طريقه – أي طريق جمال بيه نحو عرش الخمسة وسبعين مليون - وعليه أن يتخطى كل هذه العقبات

وقد اضطر مبارك الأب أمام الغضب العارم ضد التوريث أن ينحنى للموجة ويقوم - كعادتة - بتدبير الخديعة الكبيرة في تظاهره بدعوة الأحزاب للحوار مع الحزب الوطنى من أجل شراء ذمم رؤسائها أو الضحك عليهم كى تشارك فى مسرحية انتخابات تبدوا وكأنها حرة ومباشرة وبين أكثر من مرشح الا أن نتيجتها التي توقعناها دون أن نكون محللين سياسيين أو استراتيجيين لصالح مبارك بالتزوير والبلطجة

وتشير المعطيات التي تستنبط من تصريحات مؤسسة الرئاسة وتؤكد على أن الرجل الذي سيحتفل في مايو المقبل بعيد ميلاده الثامن والسبعين، مصمم علي البقاء في الحكم حتي نهاية ولايته الحالية، أي بعد ست سنوات علي الاقل، وهو المعطي الذي يحاول أن يوهمنا به مستشار الرئيس للشئون السياسية لوكالة رويترز ويبعدنا عن سيناريوهات التوريث بقوله أن الرئيس مبارك جندي، والجندي لا يمكنه ان يهرب من المسؤولية، كما لا يمكنه ان يقول لنا فليذهب الجميع الي الجحيم فأنا قد مللت وتعبت من الحكم. وأنا لا أعرف أي جندي هذا الذي يشارف الثمانين من عمره ويريد البقاء في الجيش، فمثل هذا الكلام هو هباء تذروه النسمات لا الرياح

إلا أن الموقف الآن على الساحة السياسية المصرية يقول بأن مبارك لن يستمر في الحكم، فهو إما سيستقيل – علشان يلحق يتمتع بفلوسه في سويسرا، أو سيتقاعد لظروف مرضه الغير مسموح لنا بمعرفته، أو يأتيه قضاء ربنا فجأة، وإن كان ذلك لن يكون فجأة في ظل انتظارنا له لأكثر من ربع قرن

وبغض النظر عن كيفية ذهاب العظمة الكبيرة، فإنه كانت هناك أمور عدة لمبارك الصغير كي يهيأ مؤخرته للجلوس على عرش أبيه ويستوفي الشروط الطبيعية لأي مرشح للرئاسة، حيث كان السن هو العقبة الأولى، فلا يقل سن المرشح وقت الترشح للرئاسة عن أربعين عام، والصغير الآن قد أمسى كبيرا، بل ويتعدى الأربعين بعامين كاملين. والثانية كانت أنه يجب على رئيس البلاد وحامي رجالها أن يكون متزوج لكي تكون الأخيرة هي بدورها حامية نسائنا وساترة عوراتهن، فإذا كان سجن الرجال لا يكون بدون حراس وجلادين من الرجال فكيف يكون سجن النسا دون حارسات وجلادات من النساء، وماشاء تبارك الخلاق على الكتكوتة الفاتنة التي تصغره بثمانية عشر عاما والتي أسدلت الستار على أشهر وأطول قصة لشاب أعذب في مصر – طبعا مش ابن الريس

ومن ناحية أخرى، فإن الوضع القانوني في حالة انسحاب الرئيس من على عرش مصر لأي سبب كان، يسمح للحزب الوطني الديمقراطي بأن يكون هو الحزب الوحيد الذي سيتمكن من تقديم مرشح رسمي للرئاسة ، لأنه الوحيد الذي يتمتع بنسبة تفوق خمس بالمائة في البرلمان، وبالطبع لن يقدم الحزب مرشحين من طراز كمال الشاذلي أو صفوت الشريف، وإنما سيقدم نجل الرئيس وأمين مساعد الحزب والذي سيقول وقتها: لقد ضغطوا علي من أجل تحمل هذه المسئولية الكبيرة، وأنا لا أستطيع أن أقول لا عندما تناديني مصر

أما في حالة الترشح بشكل مستقل – أي مرشح غير حزبي – فإنه لا بد له أن يحظى بتأييد ثلاثمائة من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية، وإن كان مجلس الشعب به ثمانية وثمانون عضوا من جماعة الاخوان المحظورة، وعدد لا بأس به من الأحزاب والمستقلين المعارضين يقترب من عشرون أو خمسة وعشرون عضوا، فإن الحاجة إلى أكثر من 180 عضو بالمجالس المحلية تكون شديدة وقصوى لاستيفاء التوقيعات لأي مرشح مستقل ضد مرشح الوطني، وهو الأمر الذي شعر معه النظام بأنه غير مهيأ له حاليا وتوقع خسارة هائلة في عدد مقاعده لصالح التيارات الدينية والمعارضة، فأجل انتخابات المجالس المحلية في تعدي صارخ وظلم بشع وتسلط غير محسوب وتحيز رهيب لصالح ألا يكون هناك مرشح آخر ضد مرشح الحزب الوطني

لقد أراد النظام أن يشغلنا نحن البسطاء بكلام فارغ عن سيناريوهات عبيطة لتوريث الرئاسة من الأب إلى الابن على غرار النظم الملكية، ولكنه في الحقيقة يفكر في حالة اقناع رجالاتهم المرتشين بالترشح أمام ولي العهد كصورة باهتة أمام عدسات الصحافة وكاميرات التليفزيون على غرار مسرحية الانتخابات الأولى، ومن ثم يكون نقل العرش من الأب إلى الابن عن طريق صناديق اقتراع وانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية تبدو في أزهي حللها أمام وسائل الاعلام في كل أنحاء المعمورة، وإن كان كل ذلك سينفذ عن طريق ميليشيات البلطجية والحواة وكتائب المرتشين والمزورين ومرتزقة النفاق والتهليل وأساطيل الوعود بعصر ديمقراطي وحرية فكر والغاء الطوارئ وأمن الدولة، ويبدأ الحديث عن رئيس لن ينام إلا بعد أن يطمئن على شعبه ويغطيه بالبطانية واللحاف ويتأكد أن كل أطفاله من الشعب قد شربوا اللبن قبل النوم، عن رئيس يعطي الأولوية لتمهيد الطريق أمام المستقبل من أجل تداول سلمي في السلطة وفترتين فقط في الحكم – مثلما وعد الأب ونفذ، عن رئيس يكافح الفساد في كل مكان ويذهب إلى آخر الدنيا - على طريقة السادات – ويتعقب رجال الأعمال أصدقاءه الذين قشطوا فلوس مصر ويلاحقهم في باريس ولندن وواشنطن بل ويجلبهم بنفسه ليقدمهم للمحاكمة بنفسه

أيها السادة، تذكروا هذا الكلام جيدا، وأعلموا أن جمال محمد حسني السيد مبارك هو الرئيس القادم على عرش المحروسة، شئنا أم أبينا، وبالتأكيد سنشاء وسنوافق وسنبايع وسنفرح ونقول ابن ناس ومستريح ومش محتاج يسرق ووعدنا بتحسين معيشتنا وهيأكلنا باتون ساليه وكانابيه وهيشربنا مية معدنية وعصير التوت البري ونبيذ أحمر، هنقول أنه شاب فهيحس بشبابنا، وهنقول أنه ابن بلد وكان بيساعد الغلابة، وهنقول ان مدام مبارك الصغير – الكبير ساعتها - بتلعب كورة حلو وعلشان كده هيبقى عندنا محترفين في ريال مدريد وهناخد كاس العالم

هنقول حاجات كتيييييييييير قوي وساعتها مش لازم نسأل نفسنا احنا انتخبنا جمال مبارك ليه


 
posted by المواطن المصري العبيط at 3:21 PM | Permalink | 28 comments